نور الهدى Admin
رقم العضويه : 48369 عدد المساهمات : 395 التميز : 0 تاريخ التسجيل : 07/10/2009 العمر : 36 الموقع : نور تعاليق : اللهم انصر الاسلام والمسلمين
| موضوع: اعراب سوره البقره الخميس أكتوبر 29, 2009 2:12 am | |
| سورة البقرة
بسم اللّه الرحمن الرحيم
قوله تعالى (الم) هذه الحروف المقطعة كل واحد منها اسم، فألف اسم يعبر به عن مثل الحرف الذى في قال، ولام يعبر بها عن الحرف الاخير من قال، وكذلك ماأشبهها، والدليل على أنها أسماء أن كلا منها يدل على معنى في نفسه، وهى مبنية لانك لاتريد أن تخبر عنها بشئ، وإنما يحكى بها ألفاظ الحروف التى جعلت أسماء لها فهى كالاصوات نحو: غاق، في حكاية صوت الغراب. وفى موضع الم ثلاثة أوجه: أحدها الجر على القسم، وحرف القسم محذوف وبقى عمله بعد الحذف لانه مراد، فهو كالملفوظ به كما قالوا الله ليفعلن في لغة من جر، والثانى: موضعها نصب، وفيه وجهان: أحدهما هو على تقدير حذف القسم كما تقول الله لافعلن والناصب فعل محذوف تقديره: التزمت الله، أى اليمين به، والثانى هى مفعول بها تقديره اتل الم. والوجه الثالث: موضع رفع بأنها مبتدأ وما بعدها الخبر. قوله عزوجل (ذلك) ذا اسم إشارة والالف من جملة الاسم. وقال الكوفيون الذال وحدها هى الاسم، والالف زيدت لتكثير الكلمة، واستدلوا على ذلك بقولهم ذه أمة الله، وليس ذلك بشئ لان هذا الاسم اسم ظاهر، وليس في الكلام اسم ظاهر على حرف واحد حتى يحمل هذا عليه، ويدل على ذلك قولهم في التصغير: ذيا فردوه إلى الثلاثى والهاء في ذه بدل من الياء في ذى. وأما اللام فحرف زيد ليدل على بعد المشار إليه، وقيل هى بدل من ها، ألا تراك تقول: هذا وهذاك ولا يجوز هذلك، وحركت اللام لئلا يجتمع ساكنان وكسرت على أصل التقاء الساكنين، وقيل كسرت للفرق بين هذه اللام ولام الجر، إذ لو فتحتها فقلت ذلك لالتبس بمعنى الملك، وقيل ذلك هاهنا بمعنى هذا، وموضعه رفع إما على أنه خبر الم والكتاب عطف بيان ولاريب في موضع نصب على الحال أى هذا الكتاب حقا أو غير ذى شك وإما أن يكون ذلك مبتدأ والكتاب خبره ولاريب حال، ويجوز أن يكون الكتاب عطف بيان ولاريب فيه الخبر، وريب مبنى على الاكثرين لانه ركب مع لا وصير
[11]
بمنزلة خمسة عشر، وعلة بنائه تضمنه معنى من، إذ التقدير لا من ريب، واحتيج إلى تقدير من لتدل لا على نفى الجنس، ألا ترى أنك تقول: لا رجل في الدار، فتنفى الواحد ومازاد عليه، فإن قلت لا رجل في الدار فرفعت ونونت نفيت الواحد ولم تنف ما زاد عليه، إذ يجوز أن يكون فيها اثنان أو أكثر. وقوله (فيه) فيه وجهان: أحدهما هو في موضع خبر لا ويتعلق بمحذوف تقريره، لا ريب كائن فيه، فيقف حينئذ على فيه. والوجه الثانى: أن يكون لاريب آخر الكلام وخبره محذوف للعلم به، ثم تستأنف فتقول فيه هدى فيكون هدى مبتدأ وفيه الخبر، وإن شئت كان هدى فاعلا مرفوعا بفيه ويتعلق " في " على الوجهين بفعل محذوف، وأما هدى فألفه منقلبة عن ياء لقولك هديت والهدى، وفى موضعه وجهان: أحدهما رفع إما مبتدأ أو فاعل على ماذكرنا، وإما أن يكون خبر مبتدإ محذوف، أى هو هدى، وإما أن يكون خبرا لذلك بعد خبر. والوجه الثانى: أن يكون في موضع نصب على الحال من الهاء في فيه: أى لاريب فيه هاديا فالمصدر في معنى اسم الفاعل، والعامل في الحال معنى الجملة تقديره: أحققه هاديا، ويجوز أن يكون العامل فيه معنى التنبيه والاشارة الحاصل من قوله ذلك. قوله تعالى (للمتقين) اللام متعلقة بمحذوف تقديره كائن أو كائنا على ماذكرناه من الوجهين في الهدى، ويجوز أن يتعلق اللام بنفس الهدى لانه مصدر والمصدر يعمل عمل الفعل، وواحد المتقين متقى، وأصل الكلمة من وقى فعل، ففاؤها واو ولامها ياء، فإذا بنيت من ذلك افتعل قلبت الواو تاء وأدغمتها في التاء الاخرى فقلت اتقى، وكذلك في اسم الفاعل وما تصرف منه نحو متقى ومتقى ومتقى اسم ناقص، وياؤه التى هى لام محذوفة في الجمع لسكونها وسكون حرف الجمع بعدها كقولك: متقون ومتقين، ووزنه في الاصل مفتعلون، لان أصله موتقيون فحذفت اللام لما ذكرنا فوزنه الآن مفتعون ومفتعين، وإنما حذفت اللام دون علامة الجمع لان علامة الجمع دالة على معنى إذا حذفت لايبقى على ذلك المعنى دليل، فكان إبقاؤها أولى. قوله تعالى (الذين يؤمنون) هو في موضع جر صفة المتقين، ويجوز أن يكون في موضع نصب إما على موضع للمتقين أو بإضمار أعنى، ويجوز أن يكون في موضع رفع على إضمارهم أو مبتدأ وخبره أولئك على هدى وأصل يؤمنون يؤمنون، لانه من الامن والماضى منه آمن فالالف بدل من همزة ساكنة قلبت ألفا كراهية اجتماع همزتين، ولم يحققوا الثانية في موضع ما لسكونها وانفتاح ما قبلها، ونظيره في الاسماء
[12]
آدم آخر، فأما في المستقبل فلا تجمع بين الهمزتين اللتين هما الاصل، لان ذلك يفضى بك في المتكلم إلى ثلاث همزات: الاولى همزة المضارعة، والثانية همزة أفعل التى في آمن، والثالثة الهمزة التى هى فاء الكلمة، فحذفوا الوسطى كما حذفوها في أكرم لئلا تجتمع الهمزات، وكان حذف الوسطى أولى من حذف الاولى لانها حرف معنى، ومن حذف الثالثة لان الثالثة فاء الكلمة والوسطى زائدة، وإذا أردت تبين ذلك فقل: إن آمن أربعة أحرف فهو مثل دحرج، فلو قلت أدحرج لاتيت بجميع ماكان في الماضى وزدت عليه همزة المتكلم، فمثله يجب أن يكون في أومن، فالباقى من الهمزات الاولى والواو التى بعدها مبدلة من الهمزة الساكنة التى هى فاء الكلمة والهمزة الوسطى هى المحذوفة وإنما قلبت الهمزة الساكنة واوا لسكونها وانضمام ماقبلها، فإذا قلت نؤمن وتؤمن ويؤمن جاز لك فيه وجهان: أحدهما الهمز على الاصل، والثانى قلب الهمزة واوا تخفيفا، وحذفت الهمزة الوسطى حملا على أومن والاصل يؤمن، فأما أؤمن فلا يجوز همز الثانية بحال لما ذكرناه، والغيب هنا مصدر بمعنى الفاعل: أى يؤمنون بالغائب عنهم، ويجوز أن يكون بمعنى المفعول: أى المغيب كقوله: هذا خلق الله: أى مخلوقه، ودرهم ضرب الامير: أى مضروبه. قوله عزوجل (ويقيمون) أصله يؤقومون: وماضيه أقام، وعينه واو لقولك فيه يقوم، فحذفت الهمزة كما حذفت في أقيم لاجتماع الهمزتين، وكذلك جميع مافيه حرف مضارعة لئلا يختلف باب أفعال المضارعة، وأما الواو فعمل فيها ماعمل في نستعين، وقد ذكرناه، وألف الصلاة منقلبة عن واو لقولك: صلوات، والصلاة مصدر صلى ويراد بها هاهنا الافعال والاقوال المخصوصة فلذلك جرت مجرى الاسماء غير المصادر. قوله تعالى (ومما رزقناهم) من متعلقة بينفقون، والتقدير: وينفقون مما رزقناهم، فيكون الفعل قبل المفعول كما كان قوله يؤمنون ويقيمون كذلك، وإنما أخر الفعل عن المفعول لتتوافق رءوس الآى، وما بمعنى الذى، ورزقنا يتعدى إلى مفعولين، وقد حذف الثانى منهما هنا وهو العائد على " ما " تقديره: رزقناهموه أو رزقناهم إياه، ويجوز أن تكون مانكرة موصولة بمعنى شئ، أى ومن مال رزقناهم فيكون رزقناهم في موضع جر صفة لما. وعلى القول الاول لا يكون له موضع، لان الصلة لا موضع لها، ولا يجوز أن تكون ما مصدرية لان الفعل لا ينفق، ومن
[13]
للتبعيض، ويجوز أن تكون لابتداء غاية الانفاق، وأصل ينفقون: يؤنفقون لان ماضيه أنفق، وقد تقدم نظيره. قوله تعالى (بما أنزل إليك) " ما " هاهنا بمعنى الذى، ولايجوز أن تكون نكرة موصوفة أى بشئ أنزل إليك، لانه لا عموم فيه على هذا، ولا يكمل الايمان إلا أن يكون بجميع ماأنزل إلى النبى صلى الله عليه وسلم، وما للعموم، وبذلك يتحقق الايمان، والقراءة الجيدة بأنزل إليك، بتحقيق الهمزة، وقد قرئ في الشاذ أنزل إليك بتشديد اللام والوجه فيه أنه سكن لام أنزل وألقى عليها حركة الهمزة فانكسرت اللام وحذفت الهمزة فلقيتها لام إلى فصار اللفظ بما أنزل إليك فسكنت اللام الاولى وأدغمت في اللام الثانية، والكاف هنا ضمير المخاطب وهو النبى صلى الله عليه وسلم، ويجوز أن يكون ضمير الجنس المخاطب ويكون في معنى الجمع، وقد صرح به في آى أخر كقوله " لقد أنزلنا إليك كتابا فيه ذكركم ". قوله تعالى (وبالآخرة) الباء متعلقة بيوقنون، ولا يمتنع أن يعمل الخبر فيما قبل المبتدإ، وهذا يدل على أن تقديم الخبر على المبتدإ جائز إذ المعمول لا يقع في موضع لا يقع فيه العامل، والآخر صفة والموصوف محذوف تقديره: وبالساعة الآخرة أو بالدار الآخرة كما قال " وللدار الآخرة خير " وقال " واليوم الآخر ". قوله تعالى (هم يوقنون) هم مبتدأ ذكر على جهة التوكيد، ولو قال: وبالآخرة يوقنون لصح المعنى والاعراب، ووجه التوكيد في هم تحقيق عود الضمير إلى المذكورين لا إلى غيرهم، ويوقنون الخبر، وأصله يؤيقنون، لان ماضيه أيقن، والاصل أن يؤتى في المضارع بحروف الماضى، إلا أن الهمزة حذفت لما ذكرنا في يؤمنون وأبدلت الياء واوا لسكونها وانضمام ما قبلها. قوله تعالى (أولئك) هذه صيغة جمع على غير لفظ واحده، وواحده ذا، ويكون أولئك للمؤنث والمذكر، والكاف فيه حرف للخطاب وليست اسما إذ لو كانت اسما لكانت إما مرفوعة أو منصوبة، ولايصح شئ منهما إذ لا رافع هنا ولا ناصب، وإما أن تكون مجرورة بالاضافة، وأولاء لا تصح إضافته لانه مبهم، والمبهمات لا تضاف، فبقى أن تكون حرفا مجردا للخطاب، ويجوز مد أولاء وقصره في غير القرآن، وموضعه هنا رفع بالابتداء، و (على هدى) الخبر، وحرف الجر متعلق بمحذوف: أى أولئك ثابتون على هدى، ويجوز أن يكون أولئك خبر الذين يؤمنون بالغيب، وقد ذكر.
[14]
فإن قيل: أصل " على " الاستعلاء "، والهدى لا يستعلى عليه فكيف يصح معناها هاهنا؟. قيل: معنى الاستعلاء حاصل، لان منزلتهم علت باتباع الهدى، ويجوز أن يكون لما كانت أفعالهم كلها على مقتضى الهدى كان تصرفهم بالهدى كتصرف الراكب بما يركبه. قوله تعالى (من ربهم) في موضع جر صفة لهدى، ويتعلق الجار بمحذوف تقديره هدى كائن وفى الجار والمجرور ضمير يعود على الهدى، ويجوز كسر الهاء وضمها على ماذكرنا في عليهم في الفاتحة. قوله تعالى (وأولئك) مبتدأ و (هم) مبتدأ ثان و (المفلحون) خبر المبتدأ الثانى، والثانى خبره خبر الاول، ويجوز أن يكون هم فصلا لا موضع له من الاعراب، والمفلحون خبر أولئك، والاصل في مفلح مؤفلح، ثم عمل فيه ماذكرناه في يؤمنون. قوله تعالى (سواء عليهم) رفع بالابتداء، وأأنذرتهم أم لم تنذرهم جملة في موضع الفاعل وسدت هذه الجملة مسد الخبر، والتقدير يستوى عندهم الانذار وتركه، وهو كلام محمول على المعنى، ويجوز أن تكون هذه الجملة في موضع مبتدإ وسواء خبر مقدم، والجملة على القولين خبر أن، ولايؤمنون لا موضع له على هذا ويجوز أن يكون سواء خبر أن ومابعده معمول له، ويجوز أن يكون لايؤمنون خبر أن، وسواء عليهم ومابعده معترض بينهما، ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر وسواء مصدر واقع موقع اسم الفاعل وهو مستو، ومستو يعمل عمل يستوى، ومن أجل أنه مصدر لايثنى ولايجمع، والهمزة في سواء مبدلة من ياء لان باب طويت وشويت أكثر من باب قوة وحوة فحمل على الاكثر. قوله تعالى (أأنذرتهم) قرأ بن محيصن بهمزة واحدة على لفظ الخبر، وهمزة الاستفهام مرادة ولكن حذفوها تخفيفا، وفى الكلام مايدل عليها وهو قوله: أم لم، لان أم تعادل الهمزة، وقرأ الاكثرون على لفظ الاستفهام ثم اختلفوا في كيفية النطق به، فحقق قوم الهمزتين ولم يفصلوا بينهما وهذا هو الاصل، إلا أن الجمع بين الهمزتين مستثقل لان الهمزة نبرة تخرج من الصدر بكلفة فالنطق بها يشبه التهوع، فإذا اجتمعت همزتان كان أثقل على المتكلم، فمن هنا لايحققهما أكثر العرب، ومنهم من يحقق الاولى ويجعل الثانية بين بين: أى بين الهمزة والالف، وهذه في الحقيقة همزة
[15]
ملينة وليست ألفا، ومنهم من يجعل الثانية ألفا صحيحا كما فعل ذلك في آدم وآمن، ومنهم من يلين الثانية ويفصل بينها وبين الاولى بالالف، ومنهم من يحقق الهمزتين ويفصل بينهما بألف، ومن العرب من يبدل الاولى هاء ويحقق الثانية، ومنهم من يلين الثانية مع ذلك، ولايجوز أن يحقق الاولى ويجعل الثانية ألف صحيحا ويفصل بينهما بألف، لان ذلك جمع بين ألفين، ودخلت همزة الاستفهام هنا للتسوية، وذلك شبيه بالاستفهام لان المستفهم يستوى عنده الوجود والعدم، فكذلك يفعل من يريد التسوية، ويقع ذلك بعد سواء كهذه الآية، وبعد ليت شعرى كقولك: ليت شعرى أقام أم قعد، وبعد: لاأبالى، ولاأدرى، وأم هذه هى المعادلة لهمزة الاستفهام، ولم ترد المستقبل إلى معنى المضى حتى يحسن معه أمس، فإن دخلت عليها إن الشرطية عاد الفعل إلى أصله من الاستقبال. قوله تعالى (وعلى سمعهم) السمع في الاصل مصدر سمع، وفى تقديره هنا وجهان: أحدهما أنه استعمل مصدرا على أصله، وفى الكلام حذف تقديره على مواضع سمعهم لان نفس السمع لايختم عليه، والثانى أن السمع هنااستعمل بمعنى السامعة وهى الاذن، كما قالوا الغيب بمعنى الغائب، والنجم بمعنى الناجم، واكتفى بالواحد هنا عن الجمع كما قال الشاعر: بها جيف الحسرى فأما عظامها * فبيض وأما جلدها فصليب يريد جلودها. قوله تعالى (وعلى أبصارهم غشاوة) يقرأ بالرفع على أنه مبتدأ، وعلى أبصارهم خبره، وفى الجار على هذا ضمير، وعلى قول الاخفش غشاوة مرفوع بالجار كارتفاع الفاعل بالفعل، ولاضمير في الجار على هذا لارتفاع الظاهرية، والوقف على هذه القراءة على " وعلى سمعهم "، ويقرأ بالنصب بفعل مضمر تقديره وجعل على أبصارهم غشاوة، ولايجوز أن ينتصب بختم لانه لايتعدى بنفسه، ويجوز كسر الغين وفتحها وفيها ثلاث لغات أخر، غشوة بغير ألف بفتح الغين وضمها وكسرها. قوله تعالى (ولهم عذاب) مبتدأ وخبر أو فاعل عمل فيه الجار على ماذكرنا قبل، وفى (عظيم) ضمير يرجع على العذاب لانه صفته. قوله تعالى (ومن الناس) الواو دخلت هنا للعطف على قوله " الذين يؤمنون
[16]
بالغيب " وذلك أن هذه الآيات استوعبت أقسام الناس، فالآيات الاول تضمنت ذكر المخلصين في الايمان، وقوله (إن الذين كفروا) تضمن ذكر من أظهر الكفر وأبطنه، وهذه الآية تضمنت ذكر من أظهر الايمان وأبطن الكفر، فمن هنا دخلت الواو لتبين أن المذكورين من تتمة الكلام الاول، ومن هنا للتبعيض، وفتحت نونها ولم تكسر لئلا تتوالى الكسرتان، وأصل الناس عند سيبويه أناس حذفت همزته وهى فاء الكلمة، وجعلت الالف واللام كالعوض منها، فلا يكاد يستعمل الناس إلا بالالف واللام، ولايكاد يستعمل أناس بالالف واللام، فالالف في الناس على هذا زائدة واشتقاقه من الانس، وقال غيره ليس في الكلمة حذف، والالف منقلبة عن واو وهى عين الكلمة، واشتقاقه من ناس ينوس نوسا إذا تحرك، وقالوا في تصغيره: نويس. قوله (من يقول) من: في موضع رفع بالابتداء وماقبله الخبر، أو هو مرتفع بالجار قبله على ماتقدم، ومن هنا نكرة موصوفة، ويقول: صفة لها، ويضعف أن تكون بمعنى الذى، لان الذى يتناول قوما بأعيانهم، والمعنى هاهنا على الابهام والتقدير: ومن الناس فريق يقول، ومن موحدة للفظ، وتستعمل في التثنية والجمع والتأنيث بلفظ واحد، والضمير الراجع إليها يجوز أن يفرد حملا على لفظها، وأن يثنى ويجمع ويؤنث حملا على معناها، وقد جاء في هذه الآية على الوجهين، فالضمير في يقول مفرد، وفى آمنا وماهم جمع، والاصل في يقول: يقول بسكون القاف وضم الواو لانه نظير يقعد ويقتل، ولم يأت إلا على ذلك، فنقلت ضمة الواو إلى القاف ليخف اللفظ بالواو، ومن هاهنا إذا أمرت لم تحتج إلى الهمزة بل تقول قل، لان فاء الكلمة قد تحركت فلم تحتج إلى همزة الوصل. قوله تعالى (آمنا) أصل الالف همزة ساكنة، فقلبت ألفا لئلا تجتمع همزتان، وكان قلبها ألفا من أجل الفتحة قبلها، ووزن آمن أفعل من الامن، و (الآخر) فاعل فالالف فيه غير مبدلة من شئ. قوله (وماهم) " هم " ضمير منفصل مرفوع بما عند أهل الحجاز، ومبتدأ عند تميم والباء في الخبر زائدة للتوكيد غير متعلقة بشئ، وهكذا كل حرف جر زيد في المبتدإ أو الخبر أو الفاعل، وماتنفى " ما " في الحال، وقد تستعمل لنفى المستقبل. قوله تعالى (يخادعون الله) في الجملة وجهان: أحدهما لاموضع لها، والثانى موضعها نصب على الحال، وفى صاحب الحال والعامل فيها وجهان: أحدهما هى من
[17]
الضمير في يقول، فيكون العامل فيها يقول، والتقدير: يقول آمنا مخادعين: والثانى هى حال من الضمير في قوله بمؤمنين، والعامل فيها اسم الفاعل، والتقدير: وماهم بمؤمنين في حال خداعهم، ولايجوز أن يكون في موضع جر على الصفة لمؤمنين، لان ذلك يوجب نفى خداعهم، والمعنى على إثبات الخداع: ولايجوز أن تكون الجملة حالا من الضمير في آمنا، لان آمنا محكى عنهم بيقول، فلو كان يخادعون حالا من الضمير في آمنا لكانت محكية أيضا، وهذا محال لوجهين: أحدهما أنهم ماقالوا آمنا وخادعنا. والثانى أنه أخبر عنهم بقوله يخادعون، ولو كان منهم لكان نخادع بالنون، وفى الكلام حذف تقديره: يخادعون نبى الله، وقيل هو على ظاهره من غير حذف. قوله عزوجل (وما يخادعون) وأكثر القراءة بالالف، وأصل المفاعلة أن تكون من اثنين، وهى على ذلك هنا لانهم في خداعهم ينزلون أنفسهم منزلة أجنبى يدور الخداع بينهما، فهم يخدعون أنفسهم وأنفسهم تخدعهم، وقيل المفاعلة هنا من واحد كقولك: سافر الرجل، وعاقبت اللص، ويقرأ، يخدعون بغير ألف مع فتح الياء، ويقرأ بضمها على أن يكون الفاعل للخدع الشيطان فكأنه قال: ومايخدعهم الشيطان (إلا أنفسهم) أى عن أنفسهم، وأنفسهم نصب بأنه مفعول وليس نصبه على الاستثناء، لان الفعل لم يستوف مفعوله قبل إلا. قوله تعالى (فزادهم الله) زاد يستعمل لازما كقولك: زاد الماء، ويستعمل متعديا إلى مفعولين كقولك زدته درهما، وعلى هذا جاء في الآية، ويجوز إمالة الزاى لانها تكسر في قولك زدته، وهذا يجوز فيما عينه واو مثل خاف، إلا أنه أحسن فيما عينه ياء. قوله تعالى (أليم) هو فعيل بمعنى مفعل لانه من قولك آلم فهو مؤلم وجمعه ألماء وألام مثل شريف وشرفاء وشراف. قوله تعالى (بما كانوا يكذبون) هو في موضع رفع صفة لاليم، وتتعلق الباء بمحذوف تقديره أليم كائن بتكذيبهم أو مستحق وماهنا مصدرية، وصلتها يكذبون، وليست كان صلتها لانها الناقصة، ولاتستعمل منها مصدر، ويكذبون في موضع نصب خبر كان، وما المصدرية حرف عند سيبويه واسم عند الاخفش: وعلى كلا القولين لايعود عليها من صلتها شئ.
[18]
قوله عزوجل (وإذا قيل لهم) إذا في موضع نصب على الظرف، والعامل فيها جوابها وهو قوله قالوا، وقال قوم: العامل فيها قيل، وهو خطأ لانه في موضع جر بإضافة إذا إليه، والمضاف إليه لايعمل في المضاف وأصل قيل قول، فاستثقلت الكسرة على الواو فحذفت وكسرت القاف لتنقلب الواو ياء كما فعلوا في أدل وأحق، ومنهم من يقول: نقلوا كسرة الواو إلى القاف وهذا ضعيف، لانك لا تنقل إليها الحركة إلا بعد تقدير سكونها فيحتاج في هذا إلى حذف ضمة القاف وهذا عمل كثير، ويجوز إشمام القاف بالضمة مع بقاء الياء ساكنة تنبيها على الاصل، ومن العرب من يقول في مثل قيل وبيع: قول وبوع، ويسوى بين ذوات الواو والياء، قالوا: وتخرج على أصلها وماهو من الياء تقلب الياء فيه واوا لسكونها وانضمام ما قبلها، ولا يقرأ بذلك ما لم تثبت به رواية والمفعول القائم مقام الفاعل مصدر وهو القول وأضمر لان الجملة بعده تفسره، والتقدير: وإذا قيل لهم قول هو لا تفسدوا ونظيره - ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه - أى بدا لهم بداء ورأى، وقيل لهم هو القائم مقام الفاعل وهو بعيد، لان الكلام لايتم به، وماهو مما تفسره الجملة بعده، ولا يجوز أن يكون قوله: لا تفسدوا قائما مقام الفاعل، لان الجملة لاتكون فاعلا فلا تقوم مقام الفاعل، ولهم في موضع نصب مفعول قيل. قوله (في الارض) الهمزة في الارض أصل، وأصل الكلمة من الاتساع ومنه قولهم: أرضت القرحة إذا اتسعت، وقول من قال: سميت أرضا لان الاقدام ترضها ليس بشئ، لان الهمزة فيها أصل والرض ليس من هذا، ولا يجوز أن يكون في الارض حالا من الضمير في تفسدوا، لان ذلك لا يفيد شيئا وإنما هو ظرف متعلق بتفسدوا. قوله (إنما نحن) " ما " ههنا كافة لان عن العمل لانها هيأتها للدخول على الاسم تارة وعلى الفعل أخرى، وهى إنما عملت لاختصاصها بالاسم، وتفيد " إنما " حصر الخبر فيما أسند إليه الخبر كقوله: إنما الله إله واحد، وتفيد في بعض المواضع اختصاص المذكور بالوصف المذكور دون غيره، كقولك: إنما زيد كريم، أى ليس فيه من الاوصاف التى تنسب إليه سوى الكرم، ومنه قوله تعالى (إنما أنا بشر مثلكم) لانهم طلبوا منه ما لا يقدر عليه البشر، فأثبت لنفسه صفة البشر ونفى عنه ما عداها. قوله: نحن: هو اسم مضمر منفصل مبنى على الضم، وإنما بنيت الضمائر لافتقارها إلى الظواهر التى ترجع إليها، فهى كالحروف في افتقارها إلى الاسماء، وحرك آخرها لئلا يجتمع ساكنان، وضمت النون لان الكلمة ضمير مرفوع للمتكلم فأشبهت التاء
[19]
في قمت، وقيل ضمت لان موضعها رفع، وقيل النون تشبه الواو فحركت بما يجانس الواو، ونحن ضمير المتكلم ومن معه، وتكون للاثنين والجماعة، ويستعمله المتكلم الواحد العظيم، وهو في موضع رفع بالابتداء و (مصلحون) خبره. قوله تعالى (ألا) هى حرف يفتتح به الكلام لتنبيه المخاطب، وقيل معناها حقا، وجوز هذا القائل أن تفتح أن بعدها كما تفتح بعد حقا، وهذا في غاية البعد. قوله (هم المفسدون) هم مبتدأ والمفسدون خبره والجملة خبر إن، ويجوز أن تكون هم في موضع نصب توكيد لاسم إن، ويجوز أن يكون فصلا لا موضع لها، لان الخبر هنا معرفة، ومثل هذا الضمير يفصل بين الخبر والصفة، فيعين ما بعده للخبر. قوله تعالى (وإذا قيل لهم آمنوا) القائم مقام المفعول هو القول، ويفسره آمنوا لان الامر والنهى قول. قوله (كما آمن الناس) الكاف في موضع نصب صفة لمصدر محذوف: أى إيمانا مثل إيمان الناس، ومثله - كما آمن السفهاء -. قوله (السفهاء ألا إنهم) في هاتين الهمزتين أربعة أوجه: أحدها تحقيقهما وهو الاصل، والثانى تحقيق الاولى وقلب الثانية واوا خالصة فرارا من توالى الهمزتين وجعلت الثانية واوا لانضمام الاولى، والثالث تليين الاولى، وهو جعلها بين الهمزة وبين الواو وتحقيق الثانية، والرابع كذلك إلا أن الثانية واو، ولا يجوز جعل الثانية بين الهمزة والواو لان ذلك تقريب من الالف، والالف لا يقع بعد الضمة والكسرة، وأجازه قوم. قوله تعالى (لقوا الذين آمنوا) أصله لقيوا فأسكنت الياء لثقل الضمة عليها ثم حذفت لسكونها وسكون الواو بعدها، وحركت القاف بالضم تبعا للواو، وقيل نقلت ضمة الياء إلى القاف بعد تسكينها ثم حذفت، وقرأ ابن السميقع: لاقوا بألف وفتح القاف وضم الواو، وإنما فتحت القاف وضمت الواو لما نذكره في قوله " اشتروا الضلالة ". قوله (خلوا إلى) يقرأ بتحقيق الهمزة وهو الاصل، ويقرأ بإلقاء حركة الهمزة على الواو وحذف الهمزة فتصير الواو مكسورة بكسرة الهمزة، وأصل خلوا خلووا فقلبت الواو الاولى ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ثم حذفت الالف لئلا يلتقى ساكنان، وبقيت الفتحة تدل على الالف المحذوفة.
[20]
قوله (إنا معكم) الاصل: إننا، فحذفت النون الوسطى على القول الصحيح، كما حذفت في إن إذا خففت، كقوله تعالى " وإن كل لما جميع " ومعكم ظرف قائم مقام الخبر، أى كائنون معكم. قوله تعالى (مستهزءون) يقرأ بتحقيق الهمزة وهو الاصل، وبقلبها ياء مضمومة لانكسار ما قبلها، ومنهم من يحذف الياء لشبهها بالياء الاصلية في مثل قولك: يرمون، ويضم الزاى، وكذلك الخلاف في تليين همزة " يستهزئ بهم ". قوله تعالى (يعمهون) هو حال من الهاء والميم في يمدهم وفى طغيانهم متعلق بيمدهم أيضا، وإن شئت بيعمهون، ولا يجوز أن تجعلهما حالين من يمدهم لان العامل الواحد لا يعمل في حالين. قوله تعالى (اشتروا الضلالة) الاصل اشتريوا فقلبت الياء ألفا ثم حذفت الالف لئلا يلتقى ساكنان الالف والواو. فإن قلت: فالواو هنا متحركة. قيل: حركتها عارضة فلم يعتد بها وفتحة الراء دليل على الالف المحذوفة، وقيل سكنت الياء لثقل الضمة عليها ثم حذفت لئلا يلتقى ساكنان، وإنما حركت الواو بالضم دون غيره ليفرق بين واو الجمع والواو الاصلية في نحو قوله: لو استطعنا، وقيل ضمت لان الضمة هنا أخف من الكسرة لانها من جنس الواو، وقيل حركت بحركة الياء المحذوفة، وقيل ضمت لانها ضمير فاعل، فهى مثل التاء في قمت، وقيل هى للجمع فهى مثل نحن، وقد همزها قوم شبهوها بالواو المضمومة ضما لازما نحو: أثؤب، ومنهم من يفتحها للتخفيف، ومنهم من يكسرها على الاصل في التقاء الساكنين، ومنهم من يختلسها فيحذفها لالتقاء الساكنين، وهو ضعيف لان قبلها فتحة، والفتحة لا تدل عليها. قوله تعالى (مثلهم كمثل) ابتداء وخبر، والكاف يجوز أن يكون حرف جر فيتعلق بمحذوف، ويجوز أن يكون اسما بمعنى مثل فلا يتعلق بشئ. قوله (الذى استوقد) الذى هاهنا مفرد في اللفظ، والمعنى على الجمع بدليل قوله " ذهب الله بنوركم " وما بعده، وفى وقوع المفرد هنا موقع الجمع وجهان: أحدهما هو جنس مثل: من وما: فيعود الضمير إليه تارة بلفظ المفرد، وتارة بلفظ الجمع، والثانى أنه أراد الذين، فحذفت النون لطول الكلام بالصلة، ومثله:
[21]
" والذى جاء بالصدق وصدق به " ثم قال: أولئك هم المتقون، واستوقد بمعنى أوقد، مثل استقر بمعنى قر، وقيل استوقد استدعى الايقاد. قوله تعالى (فلما أضاءت) لما هنا اسم، وهى ظرف زمان، وكذا في كل موضع وقع بعدها الماضى، وكان لها جواب والعامل فيها جوابها مثل: إذا، وأضاءت متعد فيكون " ما " على هذا مفعولا به، وقيل أضاء لازم، يقال: ضاءت النار وأضاءت بمعنى، فعلى هذا يكون " ما " ظرفا، وفى " ما " ثلاثة أوجه: أحدها هى بمعنى الذى، والثانى هى نكرة موصوفة، أى مكانا حوله، والثالث هى زائدة. قوله (ذهب الله بنورهم) الباء هنا معدية للفعل كتعدية الهمزة له، والتقدير أذهب الله نورهم، ومثله في القرآن كثير، وقد تأتى الباء في مثل هذا للحال كقولك ذهبت بزيد، أى ذهبت ومعى زيد. قوله تعالى (وتركهم في ظلمات) تركهم هاهنا يتعدى إلى مفعولين لان المعنى صيرهم، وليس المراد به الترك هو الاهمال، فعلى هذا يجوز أن يكون المفعول الثانى في ظلمات، فلا يتعلق الجار بمحذوف ويكون لايبصرون حالا، ويجوز أن يكون لا يبصرون هو المفعول الثانى، وفى ظلمات ظرف يتعلق بتركهم أو بيبصرون، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في يبصرون، أو من المفعول الاول. قوله تعالى (صم بكم) الجمهور على الرفع على أنه خبر ابتداء محذوف: أى هم صم، وقرئ شاذا بالنصب على الحال من الضمير في يبصرون. قوله تعالى (فهم لا يرجعون) جملة مستأنفة، وقيل موضعها حال وهو خطأ، لان ما بعد الفاء لا يكون حالا، لان الفاء ترتب، والاحوال لا ترتيب فيها، ويرجعون فعل لازم، أى لا ينتهون عن باطلهم، أو لايرجعون إلى الحق، وقيل هو متعد ومفعوله محذوف تقديره: فهم لايردون جوابا، مثل قوله: " إنه على رجعه لقادر ". قوله تعالى (أو كصيب) في " أو " أربعة أوجه: أحدها أنها للشك، وهو راجع إلى الناظر في حال المنافقين، فلا يدرى أيشبههم بالمستوقد أو بأصحاب الصيب، كقوله: " إلى مائة ألف أو يزيدون ": أى يشك الرائى لهم في مقدار عددهم، والثانى أنها للتخيير: أى شبهوهم بأى القبيلتين شئتم، والثالث أنها للاباحة، والرابع أنها للابهام، أى بعض الناس يشبههم بالمستوقد، وبعضهم بأصحاب الصيب، ومثله قوله تعالى " كونوا هودا
[22]
أو نصارى " أى قالت اليهود كونوا هودا، وقالت النصارى كونوا نصارى، ولايجوز عند أكثر البصريين أن تحمل " أو " على الواو، ولاعلى بل ماوجدن ذلك مندوحة والكاف في موضع رفع عطفا على الكاف في قوله " كمثل الذى " ويجوز أن يكون خبر ابتداء محذوف تقديره: أو مثلهم كمثل صيب، وفى الكلام حذف تقديره: أو كأصحاب صيب، وإلى هذا المحذوف يرجع الضمير من قوله يجعلون، والمعنى على ذلك، لان تشبيه المنافقين بقوم أصابهم مطر فيه ظلمة ورعد وبرق لابنفس المطر، وأصل صيب: صيوب على فيعل، فأبدلت الواو ياء وأدغمت الاولى فيها، ومثله: مين وهين، وقال الكوفيون: أصله صويب على فعيل، وهو خطأ، لانه لو كان كذلك لصحت الواو كما صحت في طويل وعويل (من السماء) في موضع نصب " ومن " متعلقة بصيب، لان التقدير: كمطر صيب من السماء، وهذا الوصف يعمل عمل الفعل، ومن لابتداء الغاية، ويجوز أن يكون في موضع جر على الصفة لصيب فيتعلق من بمحذوف: أى كصيب كائن من السماء، والهمزة في السماء بدل من واو قلبت همزة لوقوعها طرفا بعد ألف زائدة، ونظائره تقاس عليه (فيه ظلمات) الهاء تعود على صيب، وظلمات رفع بالجار والمجرور لانه قد قوى بكونه صفة لصيب، ويجوز أن يكون ظلمات مبتدأ وفيه خبر مقدم، وفيه على هذا ضمير، والجملة في موضع جر صفة لصيب، والجمهور على ضم اللام، وقد قرئ بإسكانها تخفيفا، وفيه لغة أخرى بفتح اللام، والرعد مصدر رعد يرعد، والبرق مصدر أيضا، وهما على ذلك موحدتان هنا، ويجوز أن يكون الرعد والبرق بمعنى الراعد والبارق كقولهم: رجل عدل وصوم (يجعلون) يجوز أن يكون في موضع جر صفة لاصحاب صيب، وأن يكون مستأنفا، وقيل يجوز أن يكون حالا من الهاء في فيه، والراجع على الهاء محذوف تقديره من صواعقه وهو بعيد، لان حذف الراجع على ذى الحال كحذفها من خبر المبتدأ، وسيبويه يعده من الشذوذ (من الصواعق) أى من صوت الصواعق (حذر الموت) مفعول له، وقيل مصدر: أى يحذرون حذرا مثل حذر الموت، والمصدر هنا مضاف إلى المفعول به (محيط) إصله محوط لانه من حاط يحوط فنقلت كسرة الواو إلى الحاء فانقلبت ياء. قوله تعالى (يكاد) فعل يدل على مقاربة وقوع الفعل بعدها، ولذلك لم تدخل عليه أن لان أن تخلص الفعل للاستقبال وعينها واو، والاصل: يكود، مثل خاف يخاف، وقد سمع فيه، كدت بضم الكاف، وإذا دخل عليها حرف نفى دل على أن الفعل الذى بعدها وقع، وإذا لم يكن حرف نفى لم يكن الفعل بعدها واقعا، ولكنه
[23]
قارب الوقوع، وموضع (يخطف) نصب لانه خبر كاد، والمعنى: قارب البرق خطف الابصار، والجمهور على فتح الياء والطاء وسكون الخاء وماضيه خطف كقوله تعالى (إلا من خطف الخطفة) وفيه قراءات شاذة: إحداها كسر الطاء على أن ماضيه خطف بفتح الطاء، والثانية بفتح الياء والخاء والطاء وتشديد الطاء، والاصل: يختطف، فأبدل من التاء طاء وحركت بحركة التاء، والثالثة كذلك، إلا أنها بكسر الطاء على مايستحقه في الاصل، والرابعة كذلك إلا أنها بكسر الخاء أيضا على الاتباع، والخامسة بكسر الياء أيضا إتباعا أيضا، والسادسة بفتح الياء وسكون الخاء وتشديد الطاء، وهو ضعيف لما فيه من الجمع بين الساكنين (كلما) هى هنا ظرف، وكذلك كل موضع كان لها جواب، و " ما " مصدرية، والزمان محذوف أى كل وقت إضاءة، وقيل " ما" هنا نكرة موصوفة ومعناها الوقت، والعائد محذوف: أى كل وقت أضاء لهم فيه، والعامل في كل جوابها، و (فيه) أى في ضوئه والمعنى بضوئه، ويجوز أن يكون ظرفا على أصلها، والمعنى: إنهم يحيط بهم الضوء (شاء) ألفا منقلبة عن ياء لقولهم في مصدره: شئت شيئا، وقالوا: أشأته أى حملته على أن يشاء (لذهب بسمعهم) أى أعدم المعنى الذى يسمعون به، وعلى كل متعلق ب (قدير) في موضع نصب. قوله تعالى (ياأيها الناس) أى اسم مبهم لوقوعه على كل شئ أتى به في النداء توصلا إلى نداء مافيه الالف واللام إذا كانت " يا " لاتباشر الالف واللام، وبنيت لانها اسم مفرد مقصود وها مقحمة للتنبيه، لان الاصل أن تباشر " يا " الناس، فلما حيل بينهما بأى عوض من ذلك " ها " والناس وصف لاى لابد منه، لانه المنادى في المعنى، ومن هاهنا رفع، ورفعه أن يجعل بدلا من ضمة البناء، وأجاز المازنى نصبه كما يجيز: يازيد الظريف، وهو ضعيف لما قدمنا من لزوم ذكره، والصفة لايلزم ذكرها (من قبلكم) من هنا لابتداء الغاية في الزمان، والتقدير: والذين خلقهم من قبل خلقكم، فحذف الخلق وأقام الضمير مقامه (لعلكم) متعلق في المعنى باعبدوا، أى اعبدوه ليصح منكم رجاء التقوى، والاصل توتقيون، فأبدل من الواو تاء وأدغمت في التاء الاخرى وسكنت الياء ثم حذفت، وقد تقدمت نظائره، فوزنه الآن تفتعون. قوله تعالى (الذى جعل) هو في موضع نصب بتتقون أو بدل من ربكم، أو صفة مكررة، أو بإضمار أعنى، ويجوز أن يكون في موضع رفع على إضمار هو
[24]
الذى، وجعل هنا متعد إلى مفعول واحد وهو الارض، وفراشا حال، ومثله: والسماء بناء، ويجوز أن يكون جعل بمعنى صير فيتعدى إلى مفعولين وهما الارض وفراشا ومثله: والسماء بناء، ولكم متعلق بجعل، أى لاجلكم (من السماء) متعلق بأنزل، وهى لابتداء غاية المكان، ويجوز أن يكون حالا، والتقدير: ماء كائنا من السماء، فلما قدم الجار صار حالا وتعلق بمحذوف، والاصل في ماء موه لقولهم: ماهت الركية تموه، وفى الجمع أمواه، فلما تحركت الواو وانفتح ماقبلها قلبت ألفا ثم أبدلوا من الهاء همزة وليس بقياس (من الثمرات) متعلق بأخرج فيكون من لابتداء الغاية ويجوز أن يكون في موضع الحال تقديره رزقا كائنا من الثمرات و (لكم) أى من أجلكم والرزق هنا بمعنى المرزوق وليس بمصدر (فلا تجعلوا) أى لاتصيروا أو لاتسمعوا فيكون متعديا إلى مفعولين، والانداد جمع ند ونديد (وأنتم تعلمون) مبتدأ وخبر في موضع الحال، ومفعول تعلمون محذوف، أى تعلمون بطلان ذلك والاسم من أنتم أن، والتاء للخطاب، والميم للجمع، وهما حرفا معنى. قوله تعالى (وإن كنتم) جواب للشرط " فأتوا بسورة " و " إن كنتم صادقين " شرط أيضا جوابه محذوف أغنى عنه جواب الشرط الاول: أى إن كنتم صادقين فافعلوا ذلك، ولاتدخل إن الشرطية على فعل ماض في المعنى، إلا على كان لكثرة استعمالها، وأنها لاتدل على حدث (مما نزلنا) في موضع جر صفة لريب: أى ريب كائن مما نزلنا، والعائد على " ما " محذوف: أى نزلناه و " ما " بمعنى الذى أو نكرة موصوفة، ويجوز أن يتعلق " من " بريب: أى إن ارتبتم من أجل مانزلنا (فأتوا) أصله: ائتيوا، وماضيه أتى، ففاء الكلمة همزة، فإذا أمرت زدت عليها همزة الوصل مكسورة فاجتمعت همزتان والثانية ساكنة، فأبدلت الثانية ياء لئلا يجمع بين همزتين، وكانت الياء الاولى للكسرة قبلها، فإذا اتصل بها شئ حذفت همزة الوصل استغناء عنها ثم همزة الياء لانك أعدتها إلى أصلها لزوال الموجب لقلبها ! ويجوز قلب هذه الهمزة ألفا إذا انفتح ماقبلها مثل هذه الآية، وياء إذا انكسر ماقبلها كقوله: الذى ايتمن، فتصيرها ياء في اللفظ، وواوا إذا انضم ماقبلها كقوله: ياصالح أوتنا، ومنهم من يقول: ذن لى (من مثله) الهاء تعود على النبى صلى الله عليه وسلم، فيكون من للابتداء، ويجوز أن تعود على القرآن فتكون من زائدة، ويجوز أن تعود على الانداد بلفظ المفرد كقوله تعالى " وان لكم في الانعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه " (وادعوا) لام الكلمة محذوف، لانه حذف في الواحد دليلا
[25]
على السكون الذى هو جزم في المعرب، وهذه الواو ضمير الجماعة (من دون الله) في موضع الحال من الشهداء والعامل فيه محذوف تقديره شهداءكم منفردين عن الله أو عن أنصار الله. قوله تعالى (فإن لم تفعلوا) الجزم بلم لا بإن لان لم عامل شديد الاتصال بمعموله ولم يقع إلا مع الفعل المستقبل في اللفظ، وإن قد دخلت على الماضى في اللفظ وقد وليها الاسم كقوله تعالى " وان أحد من المشركين " (وقودها الناس) الجمهور على فتح الواو وهو الحطب، وقرئ بالضم وهو لغة في الحطب، والجيد أن يكون مصدرا بمعنى التوقد ويكون في الكلام حذف مضاف تقديره توقدها واحتراق للناس، أو تلهب الناس أوذو وقودها الناس (أعدت) جملة في موضع الحال من النار، والعامل فيها فاتقوا ولايجوز أن يكون حالا من الضمير في وقودها لثلاثة أشياء: أحدها أنها مضاف إليها والثانى أن الحطب لايعمل في الحال، والثالث أنك تفصل بين المصدر أو ماعمل عمله وبين مايعمل فيه بالخبر وهو الناس. قوله تعالى (أن لهم جنات) فتحت أن هاهنا لان التقدير لهم، وموضع أن وماعملت فيه نصب ببشر، لان حرف الجر إذا حذف وصل الفعل بنفسه هذا مذهب سيبويه، وأجاز الخليل أن يكون في موضع جر بالباء المحذوفة لانه موضع تزاد فيه، فكأنها ملفوظ بها، ولايجوز ذلك مع غير أن لو قلت بشره بأنه مخلد في الجنة جاز حذف الباء لطول الكلام، ولو قلت بشره الخلود لم يجز وهذا أصل يتكرر في القرآن كثيرا فتأمله واطلبه هاهنا (تجرى من تحتها الانهار) الجملة في موضع نصب صفة للجنات، والانهار مرفوعة بتجرى لابالابتداء وأن، من تحتها الخبر ولابتحتها لان تجرى لاضمير فيه إذا كانت الجنات لاتجرى وإنما تجرى أنهارها، والتقدير من تحت شجرها لامن تحت أرضها فحذف المضاف، ولو قيل إن الجنة هى الشجر فلا يكون في الكلام حذف لكان وجها (كلما رزقوا منها) إلى قوله من قبل في موضع نصب على الحال من الذين آمنوا تقديره مرزوقين على الدوام، ويجوز أن يكون حالا من الجنات لانها قد وصفت وفى الجملة ضمير يعود إليها وهو قوله منها (رزقنا من قبل) أى رزقناه فحذف العائد، وبنيت قبل لقطعها عن الاضافة لان التقدير من قبل هذا (وأتوا به) يجوز أن يكون حالا وقد معه مرادة تقديره قالوا ذلك وقد أتوا به ويجوز أن يكون مستأنفا و (متشابها) حال من الهاء في به (ولهم فيها أزواج) أزواج مبتدأ ولهم الخبر، وفيها ظرف للاستقرار، ولايكون فيها الخبر لان الفائدة تقل إذ الفائدة في جعل الازواج لهم
[26]
و (فيها) الثانية تتعلق ب (خالدون) وهاتان الجملتان مستأنفتان ويجوز أن تكون الثانية حالا من الهاء والميم في لهم والعامل فيها معنى الاستقرار. قوله تعالى (لايستحيى) وزنه يستفعل ولم يستعمل منه فعل بغير السين، وليس معناه الاستدعاء وعينه ولامه ياءان، وأصله الحياء وهمزة الحياء بدل من الياء، وقرئ في الشاذ يستحى بياء واحدة والمحذوفة هى اللام كما تحذف في الجزم، ووزنه على هذا يستفع، إلا أن الياء نقلت حركتها إلى العين وسكنت، وقيل المحذوف هى العين وهو بعيد (أن يضرب) أى من أن يضرب، فموضعه نصب عند سيبويه وجر عند الخليل (ما) حرف زائد للتوكيد و (بعوضة) بدل من مثلا، وقيل مانكرة موصوفة، وبعوضة بدل من " ما " ويقرأ شاذا بعوضة بالرفع على أن تجعل مابمعنى الذى، ويحذف المبتدأ، أى الذى هو بعوضة، ويجوز أن يكون ماحرفا ويضمر المبتدأ تقديره: مثلا هو بعوضة (فما فوقها) الفاء للعطف، ومانكرة موصوفة، أو بمنزلة الذى، والعامل في فوق على الوجهين الاستقرار، والمعطوف عليه بعوضة (أما) حرف ناب عن حرف الشرط وفعل الشرط، ويذكر لتفصيل ماأجمل، ويقع الاسم بعده مبتدأ وتلزم الفاء خبره، والاصل مهما يكن من شئ فالذين آمنوا يعلمون، لكن لما نابت أما عن حرف الشرط كرهوا أن يولوها الفاء فأخروها إلى الخبر، وصار ذكر المبتدإ بعدها عوضا من اللفظ بفعل الشرط (من ربهم) في موضع نصب على الحال: والتقدير: أنه ثابت أو مستقر من ربهم، والعامل معنى الحق، وصاحب الحال الضمير المستتر فيه (ماذا) فيه قولان: أحدهما أن " ما " اسم للاستفهام موضعها رفع بالابتداء وذا بمعنى الذى و (أراد) صلة له، والعائد محذوف، والذى وصلته خبر المبتدإ، والثانى أن " ما وذا " اسم واحد للاستفهام، وموضعه نصب بأراد، ولاضمير في الفعل، والتقدير أى شئ أراد الله (مثلا) تمييز: أى من مثل، ويجوز أن يكون حالا من هذا: أى متمثلا أو متمثلا به، فيكون حالا من اسم الله (يضل) يجوز أن يكون في موضع نصب صفة للمثل، ويجوز أن يكون حالا من اسم الله، ويجوز أن يكون مستأنفا (إلا الفاسقين) مفعول يضل وليس بمنصوب على الاستثناء لان يضل لم يستوف مفعوله قبل إلا. قوله تعالى (الذين ينقضون) في موضع نصب صفة للفاسقين، ويجوز أن يكون نصبا بإضمار أعنى، وان يكون رفعا على الخبر، أى هم الذين، ويجوز أن
[27]
يكون مبتدأ والخبر قوله " أولئك هم الخاسرون " (من بعد) من لابتداء غاية الزمان على رأى من أجاز ذلك، وزائدة على رأى من لم يجزه، وهو مشكل على أصله، لانه لايجيز زيادة من في الواجب (ميثاقه) مصدر بمعنى الايثاق، والهاء تعود على اسم الله أو على العهد، فإن أعدتها إلى اسم الله كان المصدر مضافا إلى الفاعل، وإن أعدتها إلى العهد كان مضافا إلى المفعول (ماأمر) مابمعنى الذى، ويجوز أن يكون نكرة موصوفة، و (أن يوصل) في موضع جر بدلا من الهاء، أى يوصله، ويجوز أن يكون بدلا من مابدل الاشتمال تقديره: ويقطعون وصل ماأمر الله به، ويجوز أن يكون في موضع رفع: أى هو أن يوصل (أولئك) مبتدأ و (هم) مبتدأ ثان أو فصل، و (الخاسرون) الخبر. قوله تعالى (كيف تكفرون بالله) كيف في موضع نصب على الحال، والعامل فيه تكفرون، وصاحب الحال الضمير في تكفرون، والتقدير: أمعاندين تكفرون، ونحو ذلك، وتكفرون يتعدى بحرف الجر، وقد عدى بنفسه في قوله " ألا إن عادا كفروا ربهم " وذلك حمل على المعنى إذ المعنى جحدوا (وكنتم) قد معه مضمرة والجملة حال (ثم إليه) الهاء ضمير اسم الله، ويجوز أن يكون ضمير الاحياء المدلول عليه بقوله " فأحياكم ". قوله تعالى (جميعا) حال في معنى مجتمعا (فسواهن) إنما جمع الضمير لان السماء جمع سماوة أبدلت الواو فيها همزة لوقوعها طرفا بعد ألف زائدة (سبع سموات) سبع منصوب على البدل من الضمير، وقيل التقدير: فسوى منهن سبع سموات، كقوله: واختار موسى قومه - فيكون مفعولا به، وقيل سوى بمعنى صير فيكون مفعولا ثانيا (وهو) يقرأ بإسكان الهاء وأصلها الضم، وإنما أسكنت لانها صارت كعضد فخففت، وكذلك حالها مع الفاء واللام نحو فهو لهو، ويقرأ بالضم على الاصل. قوله تعالى (وإذ قال) هو مفعول به تقديره: واذكر إذ قال: وقيل هو خبر مبتدإ محذوف تقديره وابتداء خلقى إذ قال ربك، وقيل إذ زائدة و (للملائكة) مختلف في واحدها وأصلها. فقال قوم أحدهم في الاصل مألك على مفعل، لانه مشتق من الالوكة وهى الرسالة ومنه قول الشاعر: وغلام أرسلته أمه * بألوك فبذلنا ماسأل فالهمزة فاء الكلمة، ثم أخرت فجعلت بعد اللام فقالوا: ملاك.
[28]
قال الشاعر: فلست لانسى ولكن لملاك * تنزل من جو السماء يصوب فوزنه الآن معفل والجمع ملائكة على معافلة. وقال آخرون أصل الكلمة لاك فعين الكلمة همزة، وأصل ملك: ملاك من غير نقل، وعلى كلا القولين ألقيت حركة الهمزة على اللام وحذفت فلما جمعت ردت، فوزنه الآن مفاعلة، وقال آخرون عين الكلمة واو، وهو من لاك يلوك إذا أدار الشئ في فيه، فكأن صاحب الرسالة يديرها في فيه فيكون أصل ملك: ملاك مثل معاذ، ثم حذفت عينه تخفيفا، فيكون أصل ملائكة: ملاوكة، مثل مقاولة، فأبدلت الواو همزة، كما أبدلت واو مصائب. وقال آخرون: ملك فعل من الملك، وهى القوة، فالميم أصل، ولاحذف فيه، لكنه جمع على فعائلة شاذا (جاعل) يراد به الاستقبال فلذلك عمل، ويجوز أن يكون بمعنى خالق، فيتعدى إلى مفعول واحد، وأن يكون بمعنى مصير فيتعدى إلى مفعولين ويكون (في الارض) هو الثانى (خليفة) فعيلة بمعنى فاعل، أى يخلف غيره، وزيدت الهاء للمبالغة (أتجعل) الهمزة للاسترشاد، أى تجعل فيها من يفسد كمن كان فيها من قبل، وقيل استفهموا عن أحوال أنفسهم، أى أتجعل فيها مفسدا ونحن على طاعتك أو نتغير (يسفك) الجمهور على التخفيف وكسر الفاء، وقد قرئ بضمها وهى لغتان، ويقرأ بالتشديد للتكثير، وهمزة (الدماء) منقلبة عن ياء لان الاصل دمى، لانهم قالوا دميان (بحمدك) في موضع الحال تقديره: نسبح مشتملين بحمدك أو متعبدين بحمدك (ونقدس لك) أى لاجلك، ويجوز أن تكون اللام زائدة: أى نقدسك، ويجوز أن تكون معدية للفعل كتعدية الباء مثل سجدت لله (إني أعلم) الاصل إننى، فحذفت النون الوسطى لا نون الوقاية، هذا هو الصحيح، وأعلم: يجوز أن يكون فعلا ويكون " ما " مفعولا، إما بمعنى الذى أو نكرة موصوفة، والعائد محذوف، ويجوز أن يكون اسما مثل أفضل، فيكون " ما " في موضع جر بالاضافة، ويجوز أن يكون في موضع نصب بأعلم كقولهم: هؤلاء حواج بيت الله، بالنصب والجر، وسقط التنوين لان هذا الاسم لاينصرف، فإن قلت: أفعل لاينصب مفعولا. قيل: إن كانت من معه مرادة لم ينصب، وأعلم هنا بمعنى عالم، ويجوز أن يريد بأعلم: أعلم منكم، فيكون " ما " في موضع نصب بفعل محذوف دل عليه الاسم، ومثله قوله " هو أعلم من يضل عن سبيله ". قوله تعالى (وعلم) يجوز أن يكون مستأنفا، وأن يكون معطوفا على " قال ربك " وموضعه جر كموضع قال، وقوى ذلك إضمار الفاعل، وقرئ " وعلم آدم " على
[29]
مالم يسم فاعله، وآدم أفعل، والالف فيه مبدلة من همزة هى فاء الفعل، لانه مشتق من أديم الارض أو من الادمة، ولايجوز أن يكون وزنه فاعلا، إذ لو كان كذلك لانصرف مثل عالم وخاتم، والتعريف وحده لايمنع وليس بأعجمى (ثم عرضهم) بعنى أصحاب الاسماء فلذلك ذكر الضمير (هؤلاء إن كنتم) يقرأ بتحقيق الهمزتين على الاصل، ويقرأ بهمزة واحدة، قيل المحذوفة هى الاو | |
|