جغرافيا القدس
تقع مدينة القدس في وسط فلسطين تقريباً، إلى الشرق من البحر المتوسط على سلسلة جبالٍ ذات سفوحٍ تميل إلى الغرب وإلى الشرق. وترتفع عن سطح البحر المتوسط نحو 750م، وعن سطح البحر الميت نحو 1150 م، وتقع على خط طول 35 درجة و13 دقيقة شرقاً، وخط عرض 31 درجة و52 دقيقة شمالاً. تبعد المدينة مسافة 52 كيلومتراً عن البحر المتوسط في خط مستقيم و22 كم عن البحر الميت و250 كم عن البحر الأحمر، وتبعد عن عمّان 88 كيلومتراً، وعن بيروت 388 كيلومتراً، وعن دمشق 290 كيلومتراً.
تميزت مدينة القدس بموقع جغرافي هام، بسبب موقعها على الهضاب وفوق القمم الجبلية التي تمثل السلسلة الوسطى للأراضي الفلسطينية، والتي بدورها تمثّل خط تقسيم للمياه بين وادي الأردن شرقاً والبحر المتوسط غرباً، جعلت من اليسير عليها أنْ تتصل بجميع الجهات، وهي حلقة في سلسلةٍ تمتدّ من الشمال إلى الجنوب فوق القمم الجبلية للمرتفعات الفلسطينية وترتبط بطرق رئيسية تخترق المرتفعات من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب. كما أنّ هناك طرقاً عرضية تقطع هذه الطرق الرئيسية لتربط وادي الأردن بالساحل الفلسطيني.
وقد كانت أرض مدينة القدس في قديم الزمان صحراء تحيط بها من جهاتها الثلاثة الشرقية والجنوبية الغربية الأودية، أمّا جهاتها الشمالية والشمالية الغربية فكانت مكشوفة وتحيط بها كذلك الجبال التي أقيمت عليها المدينة، وهي جبل موريا (ومعناه المختار) القائم عليه المسجد الأقصى المبارك، ويرتفع نحو 770 متراً، وأعلى نقطة فيه الصخرة التي تقع فوقها قبة الصخرة المشرفة التي تشكل نقطة قلب المسجد الأقصى المبارك، وجبل "أكر" حيث توجد كنيسة "القيامة" وجبل "نبريتا" بالقرب من باب الساهرة، وجبل "صهيون" الذي يُعرَف بجبل داوود في الجنوب الغربي من القدس القديمة. وقد قُدِّرت مساحة المدينة بـحوالي كيلومتر مربع واحد، ويحيط بها سور منيع على شكل مربع يبلغ ارتفاعه 40 قدماً وعليه 34 برجاً متنظماً، ولهذا السور سبعة أبواب هي: باب الخليل، الباب الجديد، باب العامود، باب الساهرة، باب المغاربة، باب الأسباط، باب النبي داود.
نشأة النواة الأولى لمدينة القدس كانت على (تل أوفيل) المطل على قرية سلوان التي كانت تمتلك عين ماء ساعدتها في توفير المياه للسكان، وانتقلت فيما بعد إلى المناطق الأخرى التي تقع فوقها بلدة القدس المسورة اليوم، وأحيطت هذه المنطقة بالأسوار التي ظلّت على حالها حتى بنى السلطــان العثماني (سليمان القانوني) سنة1542 م السور الذي لا يزال قائماً، محدّداً لحدود القدس القديمة جغرافياً، بعد أنْ كان سورها يمتد شمالاً حتى وصل في مرحلة من المراحل إلى منطقة المسجد المعروف (مسجد سعد وسعيد)، وجنوباً حتى نهاية قرية سلوان.
وفي أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، لم تعدْ مساحتها تستوعب الزيادة السكانية، فبدأ الامتداد العمراني خارج السور، وفي جميع الجهات ظهرت الأحياء الجديدة التي عرفت فيما بعد بالقدس الجديدة، إضافةً إلى الضواحي المرتبطة بالمدينة التي كانت، وما زالت قرى تابعة لها، وقد اتخذ الامتداد العمراني اتجاهين أحدهما شمالي غربي والآخر جنوبيّ.
ونتيجةً لنشوء الضواحي الاستيطانية اليهوديّة في المنطقة العربية خصوصاً خلال فترة الاحتلال البريطاني، فقد جرى العمل على رسم الحدود البلدية بطريقةٍ ترتبط بالوجود اليهوديّ، إذ امتدّ الخط من الجهة الغربية عدة كيلومترات، بينما اقتصر الامتداد من الجهتين الجنوبية والشرقية على بضع مئات من الأمتار، فتوقف خط الحدود أمام مداخل القرى العربية المجاورة للمدينة، ومنها قرى عربية كبيرة خارج حدود البلدية (الطور، شعفاط، دير ياسين، لفتا، سلوان، العيسوية، عين كارم المالحة، بيت صفافا) مع أنّ هذه القرى تتاخم المدينة حتى تكاد تكون من ضواحيها، ثم جرى ترسيم الحدود البلدية في عام 1921 .
وفي عام 1921م تمّ ترسيم الحدود بحيث ضمت حدود البلدية القديمة قطاعاً عرضياً بعرض 400م على طول الجانب الشرقي لسور المدينة، بالإضافة إلى أحياء (باب الساهرة، ووادي الجوز والشيخ جراح) من الناحية الشمالية، ومن الناحية الجنوبية انتهى خط الحدود إلى سور المدينة فقط، أما الناحية الغربية والتي تعادل مساحتها أضعاف القسم الشرقي، فقد شملتها الحدود لاحتوائها تجمّعات يهودية كبيرة، بالإضافة إلى بعض التجمـعات العربيـــة (القطمون، البقعة الفوقا والتحتا، الطالبية، الوعرية، الشيخ بدر، مأمن الله).
وفي الفترة بين عاميْ 1946 و1948 كان المخطط الثاني لحدود البلدية. فقد وُضِع عام 1946، وجرى بموجبه توسيع القسم الغربي عام 1931، وفي الجزء الشرقي أضيفت قرية سلوان من الناحية الجنوبية ووادي الجوز، وبلغت مساحة المخطط 20,199 دونماً.
وتوسعت المساحة المبنية من 4130 دونماً عام 1918 إلى 7230 دونماً عام 1948، وبين عامي (1947-1949) جاءت فكرة التقسيم والتدويل، لأنّ فكرة تقسيم فلسطين وتدويل القدس لم تكنْ جديدة فقد طرحتها اللجنة الملكية بخصوص فلسطين (لجنة بيل)، حيث اقترحت اللجنة إبقاء القدس وبيت لحم إضافة إلى اللد والرملة ويافا خارج حدود الدولتين (العربية واليهودية) مع وجود معابر حرة وآمنة، وجاء قرار التقسيم ليوصي مرة أخرى بتدويل القدس. وقد نص القرار على أنْ تكون القدس (منطقة منفصلة) تقع بين الدولتين (العربية واليهودية) وتخضع لنظامٍ دوليّ خاص، وتُدار من قبل الأمم المتحدة بواسطة مجلس وصاية يقام لهذا الخصوص، وحدّد القرار حدود القدس الخاضعة للتدويل بحيث شملت (عين كارم وموتا في الغرب وشعفاط في الشمال، وأبو ديس في الشرق، وبيت لحم في الجنوب)، لكن حرب عام 1948 وتصاعد المعارك الحربية التي أعقبت التقسيم أدّت إلى تقسيم المدينة، وبتاريخ 13/7/1951م جرت أول انتخابات لبلدية القدس العربية، وقد أولت البلدية اهتماماً خاصاً بتعيين وتوسيع حدودها البلدية، وذلك لاستيعاب الزيادة السكانية واستفحال الضائقة السكانية وصودق على أول مخطط يبين حدود بلدية القدس (الشرقي ) بتاريخ1/4/1952، وقد ضمت المناطق التالية إلى مناطق نفوذ البلدية (قرية سلوان، ورأس العامود، والصوانة وأرض السمار والجزء الجنوبي من قرية شعفاط)، وأصبحت المساحة الواقعة تحت نفوذ البلدية 4,5كم2 في حين لم تزدْ مساحة الجزء المبني منها عن 3 كيلومترات.
وفي 12/2/1957 قرّر مجلس البلدية توسيع حدود البلدية، نتيجة للقيود التي وضعها (كاندل) في منع البناء في سفوح جبل الزيتون، والسفوح الغربية والجنوبية لجبل المشارف (ماونت سكويس) بالإضافة إلى وجود مساحات كبيرة تعود للأديرة والكنائس، ووجود مشاكل أخرى مثل كون أغلبية الأرض مشاعاً ولم تجرِ عليها التسوية (الشيخ جراح وشعفاط )، وهكذا وفي جلسة لبلدية القدس بتاريخ 22/6/1958 ناقش المجلس مشروع توسيع حدود البلدية شمالاً حيث تشمل منطقةً بعرض 500 مترٍ من كلا جانبي الشارع الرئيسي المؤدي إلى رام الله ويمتدّ شمالاً حتى مطار قلنديا، واستمرت مناقشة موضوع توسيع حدود البلدية بما في ذلك وضع مخطط هيكلٍ رئيسيّ للبلدية حتى عام 1959 دون نتيجة.
وفي عام 1964، وبعد انتخابات عام 1963، كانت هناك توصية بتوسيع حدود بلدية القدس لتصبح مساحتها 75 كم2. ولكن نشوب حرب عام 1967 أوقف المشروع، وبقيت حدودها كما كانت عليه في الخمسينات. أما غربي القدس فقد توسعت باتجاه الغرب والجنوب الغربي وضمت إليها أحياء استيطانيّة جديدة منها (كريات يوفيل، وكريات مناحيم، وعير نحانيم، وقرى عين كارم، وبيت صفافا، ودير ياسين، ولفتا، والمالحة) لتبلغ مساحتها 38 كم2.
بعد اندلاع حرب 1967 قامت دولة الاحتلال باحتلال شرقيْ القدس، وبتاريخ 28/6/1967 تمّ الإعلان عن توسيع حدود بلدية القدس وتوحيدها، وطبقاً للسياسة الصهيونيّة الهادفة إلى السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأرض مع أقل عددٍ ممكن من السكان العرب.
لقد تم رسم حدود البلدية لتضمّ أراضى 28 قرية ومدينة عربية، وإخراج جميع التجمعات السكانية العربية، لتأخذ هذه الحدود وضعاً غريـباً، فمرةً مع خطوط التسوية (الطبوغرافي ) ومرة أخرى مع الشوارع، وهكذا بدأت حقبة أخرى من رسم حدود البلدية، لتتسع مساحة بلدية القدس من 6.5كم2 إلى 70.5 كم2 وتصبح مساحتها مجتمعة (القسم الشرقي والغربي 108.5 كم2)، وفي عام 1995 توسّعت مساحة القدس مرّةً أخرى باتجاه الغرب لتصبح مساحتها الآن 123كم2.