لقاح انفلونزا الخنازير ... وتداعيات تناوله عالميا
تسبب طرح لقاح خاص بانفلونزا الخنازير في إثارة ردود أفعال عالمية، بين مؤيد ومعارض، ووسط هذه الفوضى، وقف العالم الثالث موقف المتفرج وأصبح المواطن في تلك الدول حائرا بين القبول والرفض لذلك اللقاح.
المقال التالي والذي كتبه ( محمد إبراهيم خاطر ) ونشر في صحيفة الوطن يسلط الضوء على هذه القضية الخطيرة.
أثارت لقاحات انفلونزا « H1N1» في الأيام الأخيرة جدلا واسعاً بين مؤيدي استخدام هذه اللقاحات وبين المعارضين لها وهو ما جعل عامة الجماهير في حيرة من أمرهم وتردد الكثيرون بين قبول التطعيم خوفاً من المجهول القادم الذي يحذر منه خبراء منظمة الصحة العالمية في حالة انتشار هذا المرض على نطاق واسع وبين رفض التطعيم تجنباً للأضرار المحتملة لهذه اللقاحات حسب ما يرى الفريق الآخر الذي يحذر من حدوث أعراض جانبية خطيرة نتيجة استخدام لقاحات تحتوي على مواد مساعدة ضارة بالجسم كمادة «السكوالين» ومادة «الثايمروزال» وهي مادة حافظة تحتوي على الزئبق وهو العنصر المسؤول عن التسمم العصبي وكون هذه اللقاحات لم تخضع للتجربة قبل استخدامها ولم يتحقق منتجوها من سلامتها وأمانها وخلوها من الأعراض الجانبية الخطيرة ولذلك طلبوا من الدول المستوردة لهذه اللقاحات التوقيع على إقرارات بعدم مسؤولية الشركات المنتجة عن الأضرار الجانبية للقاحات.
تضخيم إعلامي مقصود
هلع لا مبرر له في أنحاء العالم صاحب مرض «السارس» وصاحب أيضاً مرض «انفلونزا الطيور» الذي أضر بملايين الفقراء حول العالم وحرمهم من المصدر الوحيد المتاح للبروتين ومن المصدر الوحيد للدخل.
وهذا الهلع يصاحب الآن انفلونزا « H1N1» التي أصبحت مصدر ربح وثراء لأصحاب شركات الأدوية الكبرى التي تعمل الآن بكامل طاقتها لإنتاج اللقاحات والأدوية التي تقي وتعالج مرض انفلونزا « H1N1» وهذه الشركات هي المستفيد الأول من التضخيم الإعلامي المقصود لمخاطر هذه الجوائح فقد حصل وزير الدفاع الأميركي الأسبق دونالد رامسفيلد على عائدات تقدر بملايين الدولارات من بيع عقار «تاميفلو» الخاص بمعالجة انفلونزا الطيور وذلك من مبيعات أسهم شركة «غيليد للعلوم» المتخصصة في التكنولوجيا الحيوية ويملك رامسفيلد فيها أسهماً بقيمة 25 مليون دولار وهي التي طورت العقار ثم رخصت لشركة روش لإنتاجه مقابل حصولها على نسبة من أرباح كل حبة تبيعها.
والمتتبع لظهور هذه الأمراض واختفائها يلاحظ أن هذه الأمراض يتم تضخيمها عبر وسائل الإعلام المختلفة التي تجعل من هذه الأمراض حديث الناس في العالم كله نتيجة الهلع والرعب الذي تثيره في نفوس الناس وجهل الناس بطبيعة هذه الأمراض وطرق انتشارها وسبل الوقاية منها تجعل عملية التضخيم والتهويل تؤتي ثمارها في زمن قصير تحقق فيه شركات الأدوية الكبرى مكاسب عدة من أهمها الحصول على أرباح تقدر بالمليارات.
والدليل على أن تضخيم وسائل الإعلام لهذه الأمراض مقصود ومتعمد هو قلة عدد ضحايا هذه الأمراض مقارنة بأمراض أخرى فتاكة لا تجد الاهتمام المطلوب محلياً أو عالمياً ومنها على سبيل المثال الوفيات الناتجة عن الانفلونزا الموسمية والتي تقتل ما بين 250- 500 ألف شخص سنوياً والوفيات الناتجة عن مرض السل والتي تقدر بمليون ونصف مليون وفاة سنوياً والوفيات بسبب الأمراض الناتجة عن سوء التغذية والتي تقدر بحوالي 5 ملايين وفاة سنوياً والوفيات بسبب الأمراض الناتجة عن التدخين والتي تقدر بحوالي 6 ملايين وفاة سنوياً.
فلماذا إذن هذا التركيز المبالغ فيه على مخاطر انفلونزا « H1N1» وغض الطرف عن أمراض أخرى فتاكة تقتل الملايين من البشر سنوياً؟!
المخاوف من اللقاحات لها ما يبررها
مخاوف الكثيرين من الأضرار الجانبية المحتملة للقاحات انفلونزا « H1N1» المنتجة في الدول الغربية لها ما يبررها في ظل التعامل اللاإنساني للغرب مع البشر في الدول الفقيرة والنامية حيث يعامل البشر في هذه الدول كحيوانات للتجارب ليس للأدوية والأمصال الجديدة فقط وإنما للأسلحة الجديدة بمختلف أنواعها وتاريخ الغرب قديماً وحديثاً شاهد على العديد من المآسي التي سببها الغرب للشعوب والأمم الأخرى وانطلاقاً من عداوة الغرب المتأصلة للشعوب الأخرى يجب أن نأخذ الحيطة والحذر من كل منتج يأتينا من الغرب لا فرق في ذلك بين غذاء أو دواء أو حتى منتج تكنولوجي متطور.
والمنتجات على اختلاف أنواعها والتي تحمل عبارة «مخصص للبيع أو التداول في منطقة الشرق الأوسط فقط» يجب أن تخضع لفحوصات دقيقة تثبت خلوها من أية أضرار محتملة على صحة الإنسان أو الحيوان أو البيئة.
وعجز الدول العربية والإسلامية واعتمادها الكلي على الغرب في أشياء كثيرة جعل منها مكباً لنفايات الغرب الفكرية والغذائية والدوائية والنووية والعسكرية.
فالنخب العلمية والثقافية عندنا تتلقف النفايات الفكرية للغرب وتدافع عنها بقوة وتغيب عقلها ولا تعطي لنفسها فرصة لتأمل ودراسة الأفكار الغربية وتأخذها على علاتها بل وتجند نفسها لنشرها في العالمين العربي والإسلامي ومن هذه النفايات الفكرية نظريات فرويد وماركس ودارون والتي ما زالت تدرس لطلاب المعاهد والكليات في الدول العربية والإسلامية وقد أسقط باحثون أميركيون مؤخراً نظرية التطور لدارون والتي انشغل بها الكثير من العلماء لعقود من الزمن.
ومن النفايات الغذائية التي تجد طريقها للدول العربية والإسلامية شحنات القمح والذرة والدقيق الفاسدة التي تصدر من الولايات المتحدة وأوروبا وتحتوي على فطريات ومبيدات سامة ومنها شحوم الخنزير التي تضاف للكثير من المواد الغذائية ومنها المواد الغذائية المعدلة وراثياً والتي يحظر الاتحاد الأوروبي تداولها في الأسواق الأوروبية ويسمح بتصديرها للخارج.
ومن النفايات الطبية هناك الكثير من الأدوية التي يحظر تداولها في الغرب بينما تجد طريقها للدول الفقيرة والنامية ومعظم الأدوية المهربة وغير المطابقة للمواصفات أو منتهية الصلاحية تأتي من الدول الغربية وهناك أيضاً أكياس الدم والأجهزة الطبية الملوثة بالفيروسات والتي تصدر للدول الفقيرة.
وهناك أيضاً المبيدات الحشرية التي مُنع استخدامها في الغرب منذ عقود بينما الشركات المصنعة لها ما زالت تنتجها وتقوم بتصديرها إلى الدول الفقيرة.
ونفايات الغرب النووية تجد طريقها إلى الدول الفقيرة لتزيد من معاناة الشعوب في هذه الدول حيث تؤدي إلى إصابة الآلاف منهم بالسرطان.
والنفايات العسكرية تتمثل في تخلص شركات السلاح الكبرى من مخزونها من الأسلحة القديمة ببيعها إلى الدول الفقيرة والنامية ومن ذلك صفقة الطائرات المقاتلة بين الجزائر وروسيا ووجود مكونات قديمة في طائرات من المفترض أنها حديثة ومتطورة.
وتعاقد وزارات الصحة في الدول العربية مع الشركات المنتجة للقاحات انفلونزا « H1N1» أثار الكثير من علامات الاستفهام حول موقف وطريقة تعامل هذه الوزارات مع انفلونزا « H1N1» ولماذا قبلت هذه الدول شروط الشركات المصنعة للقاحات ومنها إخلاء مسؤولية هذه الشركات من الآثار الجانبية التي تحدثها هذه اللقاحات مع أن طلب هذه الشركات الإقرار بعدم مسؤوليتها عن الآثار الجانبية للقاحات يعتبر بمثابة دليل على أن لهذه اللقاحات آثاراً جانبية خطيرة لا تريد هذه الشركات تحمل تبعاتها ودفع تعويضات تقدر بالملايين في حالة ثبوت حدوث الأضرار الجانبية.
أما قول البعض من المحسوبين على القطاع الصحي الحكومي أو الممثلين لمنظمة الصحة العالمية بأن هدف شركات الأدوية المنتجة للقاحات إنساني وانه هدف نبيل فكلام لا ينطلي إلا على السذج والبسطاء من الناس الذين لا يعرفون حقيقة شركات الأدوية الكبرى في العالم ومن يحميها ويقف وراءها فشركات الأدوية الكبرى تحولت إلى ما يشبه المافيا حسب تعبير الدكتور «ماتيوس راث» والهدف الوحيد الذي تسعى إليه هذه الشركات هو تحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح حتى ولو كان ذلك على حساب حياة المرضى وزيادة معاناتهم.
فصناعة الأدوية في العالم تستحوذ على استثمارات ضخمة تقدر بمئات المليارات من الدولار فمبيعات عقاقير السكري وحدها قدرت بأكثر من 10 مليارات دولار في الولايات المتحدة بينما تجاوزت عقاقير علاج ضغط الدم المرتفع على مستوى العالم 40 مليار دولار.
وهناك شركات أميركية عملاقة تستأثر بنصيب الأسد من هذه الاستثمارات وبأرباحها حول العالم وأصبح هناك مافيا تعرف بـمافيا الأدوية على غرار مافيا السلاح والمخدرات والدعارة. وهذه الشركات تحظى بالحماية وبدعم غير محدود من قبل رؤساء الدول الكبرى في العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا.
وشركات الأدوية العملاقة تشارك في تمويل الحملات الانتخابية في أوروبا والولايات المتحدة وتصل تبرعات شركات الأدوية لتمويل الحملات الانتخابية للرؤساء وأعضاء الكونغرس الأميركي إلى 50 مليون دولار كل عام وهو مبلغ ضئيل مقارنة مع الأرباح التي تحققها هذه الشركات بدعم هؤلاء الساسة كما يقول جورج كريستر مؤلف كتاب «جيل الأدوية».
والقول بعدم وجود وقت كاف لإخضاع اللقاح للتجارب المعملية التي تثبت سلامته وخلوه من الأعراض الجانبية الخطيرة لا يبرر استخدامه لمواجهة فيروس انفلونزا « H1N1» لأن الخطورة في استخدام اللقاح شبه مؤكدة.
كيف نتعامل مع الأزمة؟
كشفت جائحة انفلونزا « H1N1» كغيرها من العوارض الصحية التي واجهت الدول العربية عجز القائمين على القطاع الصحي عن توفير الرعاية الصحية للمواطنين وحمايتهم من الأوبئة التي تنتشر من حين لآخر ووضعتهم في موقف حرج والدليل على ذلك القرارات العشوائية التي تتخذ لمواجهتها. ولمواجهة هذه الأوبئة لا بد أن تكون هناك إستراتيجية عربية موحدة لمواجهتها وذلك من خلال عدة أمور منها:
أولاً: تشكيل لجان علمية متخصصة للرقابة على الأدوية واللقاحات وتزويدها بالأجهزة اللازمة للتحقق من سلامتها وعدم احتوائها على مواد ضارة بالجسم وعدم الاكتفاء بالشهادات التي تقدمها الشركات المصنعة أو التقارير التي تصدر عن منظمة الصحة العالمية وهو ما قامت به الحكومة التشيكية وتم اكتشاف تلوث فيروسي باللقاحات التي قامت شركة باكستر بتوريدها لـ 18 دولة أوروبية.
ثانياً: الاهتمام بالكوادر العلمية الموجودة في العالم العربي وتوفير المناخ الملائم لإجراء الأبحاث العلمية حتى تتمكن من العمل على تطوير صناعة الدواء العربية.
ثالثاً: تشجيع المستثمرين العرب على الاستثمار في مجال الأدوية واللقاحات من أجل الوصول للاكتفاء الذاتي في تصنيعها.
رابعاً: الاعتماد على المواد الخام المتوفرة وبكثرة في بلادنا العربية والاستفادة من الأعشاب الطبية التي تدخل في الصناعات الدوائية وتقليل الاعتماد على الآخرين وتوفير الملايين التي تنفق على استيراد هذه المواد من الخارج.
خامساً: الاستفادة من تراثنا الزاخر في مجال التداوي بالأعشاب وبالمنتجات الطبيعية واجراء دراسات وأبحاث حول إشارات القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة لفوائد بعض الأطعمة والأشربة وبيان مدى نجاحها في علاج الأمراض المختلفة وهذا هو الجديد الذي يمكن أن نقدمه للعالم.